..أيها الساحر..
أيُّها السَّاحـر .. يا مَن اتَّبعتَ الشَّيطان .. يا مَن آذَيتَ المُسلمين .. يا مَن ارتددتَ عن الدِّين .. قِف قليلاً .. حاسِب نفسَك .. تفكَّـر في حالِك .. وانظُر لعواقبِ أفعالِك .. واعـرف إلى أين مآلُك .
لقـد اتَّبعتَ الشَّيطان .. اتَّبعتَه فعلَّمكَ السِّحر ،
﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ البقرة/102 .
الشَّيْطانُ كافِرٌ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وقبل أنْ يُعلِّمَكَ السِّحرَ اشترطَ عليكَ أنْ تكفُرَ بالله ، فسَمِعتَ له ، واستجبتَ وأطعت ، وعن دينِكَ ارتددت ، فلم تُبالي بالنَّجاسات ، وأهنتَ كِتابَ رَبِّكَ ، حتى يَرضى عنكَ ذاكَ الكافِـر ،
﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ البقرة/102 .
فيا أيُّها السَّاحِـر .. انظُر لحالِك بعـد أنْ تعلَّمتَ السِّحر ، وقارِن بين حالِكَ الآن وحالِكَ قبل ذلك ، وقُـل لي هل تُلاحِظُ فرقًا ..؟! لا شَكَّ أنَّكَ ستجِدُ فروقًا كثيرة ... يكفي أنَّكَ كُنتَ مُطيعًا لله عزَّ وجل ، مُتَّبِعًا لأوامره ، مُجتنِبًا لنواهيه ، كُنتَ تعيشُ مُرتاح البال ، أمَّا الآنَ فقـد عصيتَ رَبَّكَ ، وأطعتَ الشيطان ، وتعلَّمتَ ما هو سببٌ لهلاكِكَ .
. قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( اجتنبوا السَّبْعَ المُوبقات )) أيْ : المُهلِكات ، وذَكَـرَ منها : (( السِّحْـر )) مُتَّفقٌ عليه .
ذَكَـرهُ بعـد الشِّركِ بالله ، وهـذا إنْ دَلَّ ، فإنَّما يَدُلُّ على عِظَمِ أمره .
أيُّها السَّاحِـر .. لماذا تُخالِفُ أمرَ اللهِ ولا تنتهِ بنهيه ..؟! أمَا عَلِمتَ أنَّ عقوبةَ السَّاحِرِ هِيَ " القتل " ..؟! هـذا في الدُّنيا ، فما بالُكَ بالآخـرة ..؟!
أخبرني .. ماذا تُريدُ مِن وراءِ تعلُّمِكَ للسِّحر ..؟! ولأيِّ شئٍ تتطلَّعُ بإيذائِكَ للمُسلمين ..؟!
إنْ كُنتَ تُريدُ مالاً فاطلبه مِن اللهِ عَزَّ وجَلَّ ، فهو الذي خَلَقَكَ ، ورِزْقُـكَ بيدِهِ سُبحانه ، واعلم أنَّه لن يُضَيِّعَكَ ما دُمتَ مُستقيمًا على طاعته ، ولن يتركَكَ بلا طعامٍ ولا شراب ، واسمع لقـول سيِّدنا إبراهيم - عليهِ السَّلام – عن رَبِّهِ سُبحانه : ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ الشعراء/79 . نعم ، رِزْقُـكَ لن يأخذه غيرُكَ .
وإنْ كُنتَ تُريدُ شهرةً ، فانظر هل ستنفعُـكَ هـذه الشُّهرةُ في الآخرة أم لا ..؟ فإنْ كانت ستنفعُـكَ ، فأنا أولُ مَن يُشجِّعُـكَ على تحصيلِها .. ومع ذلك ، إنْ كُنتَ تُريدُها ، فاسعَ لتحقيقِها بطريقٍ حلال ؛ كأنْ تتعلَّمَ العِلمَ الشَّرعِيَّ لتُصبِحَ داعيةً إلى اللهِ عَزَّ وجلَّ فيعرفـكَ الناسُ وتُصبِح مشهورًا بينهم ، أو اعمل على مُساعـدةِ المُحتاجين والفُقراءِ والمساكين ، وأَعِنْ كُلَّ مَن يحتاجُ إليك ، وبذلك ستكسبُ شُهرةً عند الناس .. لكنْ احـذر الرِّياء ! ولا تجعل الشُّهرةَ هِيَ هدفَـكَ في الحياة ، فكم مِن مشاهير لم تنفعهم شُهرتُهم ، ولم تكن سببًا في نجاتِهم مِن العذاب ؛ ومنهم : فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وغيرهم .. أين هم الآن ..؟! وهل نفعتهم شُهرتُهم ..؟!
وإنْ كُنتَ تُريدُ معرفةَ الغَيْبِ ، فهـذا مِن أكبر المُستحيلات ؛ لأنَّ الغَيْبَ لا يعلمه إلَّا اللهُ سُبحانه وتعالى :
﴿ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ النمل/65 ،
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ الأنعام/59 .
وماذا ستستفيدُ مِن معرفتِكَ للغيب ..؟! هل ستستطيعُ دفعَ المصائِبِ عنكَ ..؟! هل ستتمَكَّنُ مِن رَدِّ قضاءِ اللهِ وقَـدَرِهِ ..؟! إذا علِمتَ أنَّكَ ستموتُ بعـد يومٍ أو يومين ماذا ستفعل ..؟! هل ستُؤخِّرُ الموتَ عن نفسِكَ ..؟! هل ستزيدُ مِن أعمالِكَ الصالحةِ لتكونَ سببًا في نجاتِكَ يومَ القيامة ..؟! لا ؛ لأنَّكَ ساحِـر ، ولن تفعلَ شيئًا مِن ذلك .. بل إنَّكَ لو علِمت باقترابِ أجلِكَ ، فلن تزدادَ إلَّا هَمًّا وغَمًّا ، وكآبةً وحُزنًا .
واعلم أنَّ الشيطانَ لا يَعلمُ الغيبَ ، ولا يُمكنُ أنْ يعلَمه ، وأنَّ ما يُخبِرُكَ به ليس بحَقٍّ ، حتى وإنْ تحقَّقَ منه شئ ، فهـذا بأمرِ اللهِ تعالى .
وإنْ كُنتَ تُريدُ منصبًا ، فمناصِبُ الدُّنيا قـد تكونُ بلاءً على أصحابِها ، فتتحوَّلُ مِن مناصِب إلى مصائِب ؛ لأنَّ صاحِبَ المنصب قـد يغتَر بمنصبه ، وقـد يظُنُّ أنَّه باقٍ له ، مع أنَّه سيُفارقُ أحدُهما الآخَرُ في أىِّ لحظة .
فصاحِبُ المنصب هـذا قـد يَظلِمُ ، وقـد يَسْرِقُ ، وقـد يُؤذي غيرَه ، بسببِ منصبه ، فيكونُ منصبُه وَبالاً عليه .
ومع ذلك ، فلا يَمنعُ هـذا مِن سعيكَ للحصولِ على منصبٍ حلالٍ لا تجورُ فيه ولا تَظلِم .. وبالسِّحـر لن تُحَقِّقَ شيئًا مِمَّا تُريد .
أيُّها السَّاحِـر .. ماذا ستستفيدُ مِن إيذائِكَ للمُسلمين ..؟! ماذا ستستفيدُ مِن تفريقكَ بين زوجين ..؟! ماذا ستستفيدُ مِن إفسادِكَ في الأرض ..؟!
أتعرِفُ ماذا ستستفيدُ وماذا ستجني مِن وراءِ ذلك كُلِّه ..؟!
اقـرأ هـذه الآيـةَ جيِّـدًا ، وستعلم :
﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ﴾ المائدة/33 .. وماذا عن الآخِرة ..؟ ﴿ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ المائدة/33 .
أمَا زِلتَ مُصِرًّا على سِحركَ ..؟!!
أمَا زِلتَ قاسي القلب لا تتأثَّر ..؟!!
أمَا زِلتَ لا تخشى عِقابَ الله ..؟!!
أمَا زِلتَ على عِنادِكَ وكِبْرِكَ ..؟!!
اعلم – أيُّها السَّاحِـر – أنَّ الشيطانَ أولُ مَن سيتخلَّفُ عنكَ يومَ القيامة .. لن تنفعكَ طاعتُكَ له ، بل إنَّ هـذا الشيطان لا ينفعكَ في الدُّنيا .. لو كان يستطيعُ نفعكَ ، لشفاكَ مِن مرضِكَ إنْ مَرِضتَ ، ولَأَغناكَ إنْ افتقرتَ وأحضر إليكَ الأموال ، ولَأَسعَـدَكَ إنْ حَزِنتَ ، ولَزَوَّجَ بناتِكَ ، ولَأَوجَدَ فُرَصَ عملٍ لأولادِك .. ثُمَّ إنَّه يتبرأُ منكَ يومَ القيامةِ ، ويُلقي باللومِ عليكَ ، فيقول :
﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾ إبراهيم/22 .
نعم ، لقـد كَفَرَ باللهِ ، واعترفَ بذلك ، فكيف تُصدِّقه ..؟! وكيف تُطيعُه ..؟! وكيف تجعل نفسَكَ لُعبةً بيده يُوَجِّهُكَ كيفما يشاءُ ، ثُمَّ بعـد أنْ يَمَلَّ مِنكَ أو يَجد منكَ فِعلاً يُغضِبُه يَركُلُكَ برِجلِهِ ..؟! فكيف ترضى ذلك لنفسِكَ ..؟!
فيا أيُّها السَّاحِـرُ ، لقـد آنَ الأوانُ أنْ ترجِعَ إلى رَبِّكَ ، وأنْ تعترفَ بمعصيتِكَ وذنبِك ، وأنْ تترُكَ ما أنتَ عليه مِن السِّحر ، ولا تَخَف مِن الشيطان ، فهو ضعيفٌ ،﴿
إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ النساء/76 ،
ولن يستطيعَ أنْ يُؤذِيَكَ ؛ لأنَّ كُلَّ شئٍ في هـذا الكونِ لا يَتِمُّ إلَّا بأمرِ اللهِ سُبحانه وتعالى وتقديره .
فتُب قبل الموتِ ، فلا تدري كم ستعيشُ بعـد اليوم ، بل قـد تموتُ قبل أنْ تُكمِلَ قراءةَ هـذه الرسالة ، فاعـزِم التوبـةَ مِن الآن ، وابـدأ في عمل الصالحات ؛ كِيْ تُعَوِّضَ ما فاتَكَ مِن أيامٍ كُنتَ فيها عاصيًا ، وحَصِّن نفسَكَ مِن الشيطان بالمُحافظةِ على الصلاة ، وتلاوةِ القرآن ، ومُلازمةِ الأذكار .. واعلم أنَّه
﴿لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾ التوبة/51 .واللهُ – جَلَّ وعلا – قـد دعاكَ إلى التوبةِ ، وفتحَ أمامكَ بابَها ، فقال سُبحانه : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ النور/31 ، وقال سُبحانه : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ الزمر/53 .
أسألُ اللهَ جَلَّ وعلا أنْ يهديني وإيَّاكَ وجميعَ المُسلمين ، وأنْ يُثبِّتنا جميعًا على الدِّين ، وأنْ يجعلَ مآلَنا إلى جَنَّاتِ النعيم .