سحرة الجن والتبتل
سحرة الجن والتبتل: كما أن للإنس شهوة جنسية، وتتحرك مشاعرهم وأحاسيسهم، فكذلك الجن لهم شهوة وغريزة جنسية، لقوله تعالى: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) [الرحمن: 56]، ولقوله تعالى: (حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاَء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) [الرحمن: 72؛ 74]، قوله (يَطْمِثْهُنَّ) كناية عن النكاح كما في لسان العرب قال: “ثعلب: الأَصلُ الحيضُ، ثم جُعل للنكاح”. () ويترتب على التناكح النسل والذرية، فكذلك الجن يتناكحون ويتناسلون فيما بينهم، فإبليس له نسل وذرية، لقوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف: 50]، فقوله (وَذُرِّيَّتَهُ) شاهد صريح على وجود نسل وذرية لإبليس بصفته من الجن، أي أن الجن يتناكحون ويتناسلون، فمنهم الذكور، ومنهم الإناث، وهذا يترتب على وجود الغريزة الجنسية لدى الجن.
إن الله تبارك وتعالى منزه عن كل نقصان واحتياج، فلا يتخذ زوجة ولا ولد، وشهد الجن على هذا في قوله تعالى: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا) [الجن: 3]، وقال تعالى: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: 101]. فالغريزة الجنسية وسيلة للتناكح والتناسل، بهدف الحفاظ على بقاء النوع والسلالة، فسنة الله في خلقه أن يولد جيل الأبناء، بينما يموت جيل الآباء، والله متفرد بذاته عن الاحتياج لبقاء النوع، وحفظه في نسل وذرية، لأنه حي لا يموت، ومنزه عن الافتقار للغرائز والشهوات كسائر خلقه. لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرص ما يكون على إثبات عبوديته لله تبارك وتعالى، وتأكيد بشريته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد). () بل نهى أمته عن إطراءه، وأمرهم أن يقروا بعبوديته لله تبارك وتعالى، فقال: (لا تُطْروني، كما أطْرَتِ النصارى ابنَ مريمَ، فإنما أنا عبدُه. فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه). ()
رغم أن وحدانية الله تبارك وتعالى من البديهيات والمسلمات، إلا أن هناك بين البشر من ادعوا الإلوهية والربوبية، كما قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلاَ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]، ومنهم من سيدعي الربوبية كما سيفعل الدجال، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. وإنَّ من فتنتِه أن يقولَ للأعرابيِّ: أرأيتَ إن بَعَثْتُ لك أباك وأمَّك أَتَشْهَدُ أني ربُّك؟ فيقولُ: نعم، فيتمثلُ له شيطانانِ في صورةِ أبيه وأمِّه، فيقولانِ: يا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ، فإنه ربُّك. وإنَّ من فتنتِه أن يُسَلَّطَ على نفسٍ واحدةٍ فيَقْتُلُها، يَنْشُرُها بالمِنْشارِ حتى تُلْقَى شِقَّيْنِ، ثم يقولُ: انظُرُوا إلى عَبْدِي هذا، فإني أَبْعَثُه ثم يَزْعُمُ أنَّ له ربًّا غيري، فيبعثُه اللهُ، ويقولُ له الخبيثُ: مَن ربُّك؟ فيقولُ: رَبِّيَ اللهُ، وأنت عَدُوُّ اللهِ، أنت الدَّجَّالُ، واللهِ ما كنتُ قَطُّ أَشَدُّ بصيرةً بك مِنِّي اليومَ ..). () فهناك من زعموا كذبا أن الله تعالى اتخذ صاحبة وولدا، فإما أن يسرفوا في إطراء مخلوق حتى يرفعوه إلى منزلة الإله، كما أطرت النصارى المسيح عليه السلام وأمه، حتى عبدوهما من دون الله، وإما يزعم البعض كما في الحضارات الوثنية أنه ابن الله، وأنه يحمل دم إلهي، أو تزعم إحداهن أنها زوجة الإله، فحكموا الناس باعتبارهم آلهة، وعبدهم الناس من دون الله.
ونفس الأمر قائم في عالم الشياطين، فمنهم من يتخذون مع الله تعالى شريكا له من خلقه، وهكذا تألهت الشياطين، فعبدهم أتباعهم والمنتفعين من الإنس والجن، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يس: 60]. فتأليه الشياطين أمر سائد في عالم الجن، كما أنه قائم في عالم البشر، هذا إن لم يكن مصدر هذه الوثنيات نابع من عالم الشياطين، قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الجن: 1؛ 5].
في واقع الأمر؛ أن من يريد أن يدعي الإلوهية، فإنه يضاهي الله تبارك وتعالى، فيجعل من نفسه معبودا كما أن الله هو المستحق وحده للعبودية، وإن كان الله تبارك وتعالى لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، فإن طائفة من المتألهين يضاهون الله عز وجل في هذا، فيتبتلون، بأن يمتنعوا عن الزواج، وهذا ترفعا منهم على من حولهم، واستعلاءا عليهم، وإظهارا لقدرتهم على الاستغناء عن المتعة الجنسية، واستعراض قدرتهم على التحكم في غرائزهم وشهواتهم، وتكون النتيجة خضوع أتباعهم ومعبوديهم لهؤلاء السحرة.
أضف إلى هذا؛ أن ممارسة الجنس تستهلك كثيرا من طاقة أي كائن حي، ويزداد الأمر في حالة أن يشكل المخزون المنوي مصدر قوة وطاقة سحرية، فبممارسة الجنس يستنزف الساحر كثيرا من طاقته، فيفضل التبتل والرهبنة على أن يفقد قوته. لذلك نضطر في بعض الحالات المرضية إلى تبديد طاقة هذا النوع من السحرة، واستنزاف مخزونه المنوي، وذلك باستفزاز شهوته، عن طريق تحفيز وظائف أعضاء جسمه، خاصة حاسة الشم، لأنها مقترنة بالتنفس، ولا يمكن لأي مخلوق مقاومتها، وذلك باستخدام المسك، لما يحتويه من فورمونات جنسية طبيعية محفزة للشهوة الجنسية، وبهذا نستطيع إضعافه والتمكن منه.