الأدلة على أن السحرة الذين واجهو موسى كانوا من بني إسرائيل..!!!
أولا: ما روي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين غلام من بني إسرائيل.
ثانيا: أنهم قالوا: "إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى". (طه: 73)
فهذا يشير إلى أنهم أكرهوا على السحر في بداية تعلمهم له. وكأنهم كانوا مؤمنين ويعلمون أن السحر مذموم عند الله. وفي الرواية المذكورة عن ابن عباس في بداية الموضوع، وبعد أن قال أن السحرة كانوا أربعين من بني إسرائيل، قال رضي الله عنه: "ولهذا قالوا: وما أكرهتنا عليه من السحر".
ثالثا: يقول ابن كثير في نفس المرجع: "قال ابن جريج: قال ابن عباس: لم يؤمن من القبط بموسى إلا هذا والذي جاء من أقصى المدينة وامرأة فرعون. رواه ابن أبي حاتم".
والمشار إليه ب"هذا" هو مؤمن آل فرعون الذي ذكر في القرآن وكان يكتم إيمانه. فإن صحت هذه الرواية عن ابن عباس، فإن هذا يعني أن السحرة لم يكونوا من القبط عنده.
رابعا: الوعظ الذي وعظه موسى للسحرة في ذلك اليوم. يقول الله تعالى: "قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى".(طه: 61)
فلماذا يعظ موسى السحرة في هذا الموقف؟ فإنه كان يريد أن يغلبهم ويظهر حجته أمام الحاضرين. فإن هم استجابوا وامتنعوا عن السحر، لم تحصل هذه الغاية. وكأن موسى رأى ما لم يكن يتوقعه. وقد يكون أراد أن يظهر على سحرة من القبط لأن هذا أبلغ لحجته، ولهذا وعظ السحرة عندما رأى أنهم من بني إسرائيل.
وأيضا، فموسى قد بدأ قوله للسحرة بقول "ويلكم". ومما يدعو المرء لاستعمال لفظ الويل ونحوه هو أن يرى ما يذهله أو يفاجؤه، مع أن هذا ليس شرطا. فقوله لهذه الكلمة أنسب لأن يقال لسحرة من بني إسرائيل بخلاف القبط.
فإن امتنع السحرة، ماذا كان سيحصل؟ فإن فرعون سيضطر أن ياتي بسحرة غيرهم، وإلا فيستعرض لإحراج أمام هذا الجمع الهائل من الناس وبعد كل هذا الترقب لهذا اليوم. وهذا قي يكون الذي كان يرمي موسى إليه- أي يضعط على فرعون ليأتي بسحرة من القبط غير هؤلاء من بني إسرائيل. فيكون بذلك حقق غايته من الظهور على سحرة من القبط.
وأما إن كان السحرة من القبط في أول الأمر- ووعظهم موسى فامتنعوا- فإن فرعون سيأتي بمثلهم من القبط، ولا يكون هناك تغيير في الأمر. إذاً هنا ظهر لدينا سبب محتمل لوعظ موسى للسحرة، وأن الأنسب أنه كان يعظ سحرة من بني إسرائيل.
خامسا: يقول الله تعالى: "فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى".(طه: 60)
وكان هذا بعد الاتفاق مع موسى على الوقت والمكان لهذا الأمر. وكأن فرعون كان له كيد ومكر في الأمر، وأنه ليس فقط أتى بالسحرة، ولكن كان هناك ما يخفيه ويضمره.
وليس مستبعدا أن يلجأ فرعون إلى الحيلة. فلنتذكر أن موسى قد جاءه ببينات واضحات على صدقه. وأراه العصا واليد. وجاءه بنفسه بعد أن كان هاربا منه بعد قتل ذلك القبطي. وليس فقط ذلك، ولكن اعترف له أن فعل هذا. وهذا يشير إلى أن موسى على يقين أنه لا يمكن الوصول إليه. وعندما قدم له فرعون التحدي وقال له أن يجعل موعدا للقاء، موسى ليس فقط قبل التحدي، بل سئل أن يحشر الناس ضحى. فهذا من شأنه أن يسبب القلق للفريق الآخر، إذ إن سؤال موسى أن يحشر الناس ضحى يقتضي أنه على يقين أنه سيكون هو الغالب.
وليس من طبع فرعون العنيد- وبعد أن رأى كل هذه الآيات- أن يأتي لهذا الموعد بدون حيلة ليحتال بها على الناس ويمنعهم من الإيمان بموسى. وأي حيلة تكون أكثر فعالية من أن يأتي بسحرة من بني إسرائيل، ثم بعد ظهور موسى عليهم يتهمهم بالاتفاق فيما بينهم على هذا الأمر؟ وهو يكون بذلك قام بإتلاف الثمرة بعد حصادها مباشرة.
ولعل هذا كان سببا آخراً لاستياء موسى عندما رأى أن السحرة هم من بني إسرائيل- إن كانوا بالفعل كذلك. ولعله تفطن لهذه المكيدة من فرعون، ولذلك وعظ السحرة لكي يمتنعوا ويأتي فرعون بغيرهم.
سادسا: إتهام فرعون لهؤلاء السحرة بالمكر، وزعمه أن موسى كبيرهم الذي علمهم السحر. يقول الله تعالى في سورة الأعراف: "قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)".
وقال تعالى في سورة القصص: "قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ".(من الآية 49)
يقول ابن كثير في نفس المرجع السابق: "وهذا الذي قاله من البهتان يعلم كل فرد عاقل ما فيه من الكفر الكذب والهذيان، بل لا يروج مثله على الصبيان. فإن الناس كلهم من أهل دولته وغيرهم يعلمون أن موسى لم ير هؤلاء يوماً من الدهر. فكيف يكون كبيرهم الذي علمهم السحر؟ ثم هو لم يجمعهم ولا علم باجتماعهم، حتى كان فرعون هو الذي استدعاهم واجتباهم من كل فج عميق وواد سحيق ومن حواضر بلاد مصر والأطراف ومن المدن والأرياف".
فابن كثير هنا يقول أن هذه التهم التي وجهها فرعون للسحرة هي تهم لا تروج على الناس. ولكن لو كان السحرة من بني إسرائيل، أليس من الممكن أن يصدقها الناس؟ بلى. فإن مناصرة المرء لبني قومه لكي يظهروا على قوم آخرين، موجود في أكثر الناس وإلى درجة غير محمودة. إذاً فمن المحتمل جداً أن يكون فرعون خدع الناس بهذا الأسلوب الخبيث.
-فبناء على ما تقدم من الأدلة، أقول أن الأرجح هو أن هؤلاء السحرة كانوا من بني إسرائيل.
هذا والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.