قاعدة قرآنية (إنما صنعوا ساحر)
فمهوى أبصارنا ميعاد يتنور مع هتيك المرسوم الموسوم بـ: نمضي فيه بقاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي يحتاجها الناس، كل الناس، وخصوصاً في هذا الزمن الذي روجت فيه سوق السحرة والمشعوذين، إنها القاعدة التي بثها المولى في قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ، وفي معنى هذه القاعدة قوله تعالى ـ على لسان موسى ـ: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}
وهذه القاعدة ـ أعني قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} ـ جاءت في تضاعيف قصة موسى مع سحرة فرعون في سورة طه، بعد أن واعدهم موسى، هو في خندق، وفرعون ومن معه من السحرة في خندق آخر، فلما اجتمعوا: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى * وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)... الآيات}
كم هي الآيات التي تحدثت عن السحر والسحرة في كتاب الله تعالى؟! وأخبرت عن ضلالهم، وبوارهم وخوارهم، وخسارتهم في الدنيا والآخرة؟! ومع هذا فيتعجب المؤمن ـ أشد العجب ـ من رواج سوق السحر والسحرة في بلاد الإسلام!
وليس العجب من وجود ساحر أو ساحرة، فهذا لم يخل منه أفضل الأزمان،وهو الزمن الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن غيره!
وليس العجبُ ـ أيضاً ـ من ساحر يسعى لكسب الأموال بأي طريق، وحيثما أتى!
لكن العجب من أمة تقرأ هذا الكتاب العظيم، وتؤمن بصدقه، وتقرأ ما فيه من آيات صريحة واضحة في التحذير من السحر وأهله، وبيان سوء عاقبتهم ومآلهم في الدنيا والآخرة، ومع ذلك يقف أبناء الأمة زرافاتٍ ووحداناً أمام عتبات أولئك السحرة المجرمين؟! سواء أمام بيوتهم، أم أمام شاشات قنوات السحر والشعوذة، والتي سفرت فاجرة كافرة منذ فترة من الزمن! يلتمسون منهم التسبب في إيقاع الضر بأحد أو إزالته عن آخر، وكأن هؤلاء لم يقرأوا قول الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}
أيها الموفقون : أنه لولا تكاثر الناس على هؤلاء السحرة لما راجت سوقهم، ولما انتشر باطلهم!
إن مرور الإنسان بحالة مرضية صعبة، أو حالة نفسية شديدة، لا يبيح له بحال أن يرد هذه السوق الكاسدة ـ سوق السحرة ـ فإنهم لا يفلحون، وإن الله تعالى أرحم وأحكم من أن يحرم عليهم إتيان السحرة، ولا ينزل لهم دواء لما ابتلوا به! كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم من حديث جابر ـ: "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء}ولعظيم ضرر السحر، فقد حرمته جميع الشرائع.
من أيقن بأن الساحر لا يفلح حيثُ أتى، وأيقن بأنه لا يفلح الساحرون، دفعه هذا إلى أمورٍ، من أهمها:
1_البعد عن إتيان هذا الصنف من الناس الذين نفى الله فلاحهم في الدنيا والآخرة ـ بغية علاج أو نحوه ـ وكيف يرتجى النفع ممن حكم عليه رب العالمين بأنه خاسر في الدنيا والآخرة!!
2_ الحذر من التفكير في ممارسة شيء من أنواع السحر، مهما كان المبرر، سواء بقصد العطف، أو الصرف ـ كما تفعله بعض النساء ـ وتظن أن قصدَ استمالةِ الزوجِ، أو منعِه من الزواج عليها، ونحو ذلك من الشبه، أن ذلك يبيح لها ما تصنع، فإن هذا كله من تزيين الشيطان وتلبيسه.
3_ إن يقين المؤمن بهذه القاعدة: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} مما يقوي عبادة التوكل عنده، وعدم الخوف من إرهاب هذا الصنف الحقير من الناس، وهم السحرة، ويتذكر عندها، قول الله عز وجل: {أليس الله بكاف عبده} وفي قراءة: {أليس الله بكافٍ عباده}؟ والجواب: بلى والله.