أقسام السحر الثمانيه ؟؟؟
{ بسم الله الرحمن الرحيم }
اعلم أن الفخر الرازي في تفسيره قسم السحر إلى ثمانية أقسام :
القسم الأول سحر الكلدانيين والكسدائيين
الذين كانوا في قديم الدهر يعبدون الكواكب ، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ، ومنها تصدر الخيرات والشرور ، والسعادة والنحوسة ، وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام مبطلاً لمقالتهم وراداً عليهم ، وقد أطال الكلام في هذا النوع من السحر .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : ومعلوم أن هذا النوع من السحر كفر بلا خلاف . لأنهم كانوا يتقربون فيه للكواكب كما يتقرب المسلمون إلى الله ، ويرجون الخير من قبل الكواكب ويخافون الشر من قبلها كما يرجو المسلمون ربهم ويخافونه . فهم كفرة يتقربون إلى الكواكب في سحرهم بالكفر بالبواح .
النوع الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية :
ثم استدل على تأثير الوهم بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض ، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه قال : وما ذاك إلا أن تخيل السقوط متى قوي أوجبه . وقال : واجتمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر ، والمصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان والدوران . وما ذاك إلا أن النفوس خلقت مطيعة للأوهام . قال : وحكى صاحب الشفاء عن أرسطو في طبائع الحيوان : أن الدجاجة إذا تشبهت كثيراً بالديَكة في الصوت وفي الحراب مع الديَكة نبت على ساقها مثل الشيء النابت على ساق الديك ، قال : ثم قال صاحب الشفاء : وهذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية . قال : واجتمعت الأمم على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفساني قليل العمل عديم الأثر . فدل ذلك على أن للهمم والنفوس آثاراً . . إلى آخر كلامه في هذا النوع من أنواع السحر ، وقد أطال فيه الكلام .
وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يتصرف بها في ذلك . فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة ، ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم . كما أن الدجال له من خوارق العادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة ، مع أنه مذموم شرعاً لعنه الله . وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى .
النوع الثالث من أنواع السحر المذكورة الاستعانة بالأرواح الأرضية ، يعني تسخير الجن واستخدامهم :
قال :واعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة . أما أكابر الفلاسفة فلم ينكروا القول بها . إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية . والجن المذكورون قسمان : مؤمنون ، وكافرون وهم الشياطين .
قال الرازي في كلامه على هذا النوع من السحر : واتصال النفوس بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب . ثم إن أصحاب الصنعة وأصحاب التجربة شاهدوا بأن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة من الرقى والدخن والتجريد . وهذا النوع هو المسمى بالعزائم ، وعمل تسخير الجن . وقد أطال الرازي أيضاً الكلام في هذا النوع من أنواع السحر .
النوع الرابع من أنواع السحر هو التخيلات والأخذ بالعيون :
ومبنى هذا النوع منه على أن القوة الباصرة قد ترى الشيء على خلاف ما هو عليه في الحقيقة لبعض الأسباب العارضة . ولأجل هذا كانت أغلاط البصر كثيرة . ألا ترى أن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة والشط متحركاً ، وذلك يدل على أن الساكن يرى متحركاً . والمتحرك ساكناً . والقطرة النازلة ترى خطاً مستقيماً . إلى آخر كلام الرازي . وقد أطال الكلام أيضاً في هذا النوع .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره في سورة « البقرة » مختصراً كلام الرازي المذكور : ومبناه على أن البصر قد يخطئ ويشتغل بالشيء المعين دون غيره . ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ، ويأخذ عيونهم إليه ، حتى إذا استغرقهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة ، وحينئذ ، يظهر لهم شيء غير ما انتظروه فيتعجبون منه جداً ، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله ، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله . قال : وكلما كانت الأحوال تفيد حس البصر نوعاً من أنواع الخلل أشد ، كان العمل أحسن .
مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جداً أو مظلم ، فلا تقف القوة الناظرة على أحوالها والحالة هذه . ا ه منه . ولا يخفى أن يكون سحر سحرة فرعون من هذا النوع . فهو تخييل وأخذ بالعيون كما دل عليه قوله تعالى : { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى } [ طه : 66 ] فإطلاق التخييل في الآية على سحرهم نص صريح في ذكل . وقد دل على ذلك أيضاً قوله : { فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سحروا أَعْيُنَ الناس } [ الأعراف : 116 ] لأن إيقاع السحر على أعين الناس في الآية يدل على أن أعينهم تخيلت غير الحقيقة الواقعة ، والعلم عند الله تعالى .
النوع الخامس من أنواع السحر الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية :
كفارس على فرس في يده بوق ، كلما مضت ساعة من النهار ضربت بالبوق من غير أن يمسه أحد . ومنها الصور التي يصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان ، حتى إنهم يصورونها ضاحكة وباكية ، حتى يفرق فيها بين ضحك السرور ، وبين ضحك الخجل ، وضحك الشامت .
فهذه الوجوه من لطيف أمور المخايل . قال الرازي : وكان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب . ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات . ويندرج في هذا الباب علم جر الأثقال ، وهو أن يجر ثقيلاً عظيماً بآلة خفيفة سهلة ، وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر لأن لها أسباباً معلومة نفيسة ، من اطلع عليها قدر عليها ، إلا أن الاطلاع عليها لما كان عسيراً عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر لخفاء مأخذه ا ه .
وقد علمت أن الرازي يرى أن سحر سحرة فرعون من هذا النوع الأخير ، لأن السحرة جعلوا الزئبق على الحبال والعصي فحركته حرارة الشمس فتحركت الحبال والعصي فظنوا أنها حركة طبيعية حقيقة . والذي يظهر لنا أنه من النوع الذي قبله كما قدمنا ، ولا مانع من أن يتوارد نوعان على شيء واحد فيكون داخلاً في هذا وفي هذا . والله تعالى أعلم .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر كلام الرازي الذي ذكرنا في هذا النوع من السحر . قلت : ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار ، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببيت المقدس ، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة ، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطغام منهم ، وأما الخواص منهم فمعترفون بذلك ، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم ، فيرون ذلك سائغاً لهم ، وفيهم شبه من الجهلة الأغبياء من متعبدي الكرامية الذي يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب ، فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم :
{ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } (69 طه) « من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » وقوله : « حدثوا عني ولا تكذبوا علي ، فإنه من يكذب علي يلج النار » ثم ذكرها هنا يعني الرازي حكاية عن بعض الرهبان ، وهي أنه سمع صوت طائر حزين الصوت ، ضعيف الحركة ، فإذا سمعته الطيور ترق له فتذهب في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به ، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله وتوصل إلى أن جعله أجوف ، فإذا دخلته الريح سمع منه صوت كصوت ذلك الطائر . وانقطع في صومعة ابتناها ، وزعم أنها على غبر بعض صالحيهم ، وعلق ذلك الطائر في مكان منها ، فإذا كان زمان الزيتون فتح باباً من ناحيته فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة فيسمع صوتها كل طائر في شكله أيضاً ، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئاً كثيراً فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة ولا يدرون ما سببه . ففتنهم بذلك وأوهمهم أن هذا من كرامات صاحب ذلك القبر ، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة انتهى كلام ابن كثير .
وذكر الرازي في هذه المسألة التي نقلها عنه ابن كثير : أن ذلك الطائر المذكور يسمى البراصل ، وأن الذي عمل صورته يسمى أرجعيانوس الموسيقار ، وأنه جعل ذلك على هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه ، وأن الذي قام بعمارة ذلك الهيكل أولاً أسطر خس الناسك .
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : وهذا النوع الخامس الذي عده من أنواع السحر ، الذي هو الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية . الخ لا ينبغي عده اليوم من أنواع السحر . لأن أسبابه صارت واضحة متعارفة عند الناس ، بسبب تقدم العلم المادي . والواضح الذي صار عادياً لا يدخل في حد السحر ، وقد كانت أمور كثيرة خفية الأسباب فصارت اليوم ظاهرتها جداً . والله تعالى أعلم .
النوع السادس من أنواع السحر الاستعانة بخواص الأدوية:
مثل أن يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلدة المزيلة للعقل والدخن المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناوله الإنسان تبلد عقله ، وقلت فطنته ، قاله الرازي . ثم قال : واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص : فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه وخلطوا الصدق بالكذب ، والباطل بالحق ا ه كلام الرازي .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر هذا النوع من السحر نقلاً عن الرازي : قلت : يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ، ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعياً أنها أحوال له : من مخالطة النيران : ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحاولات انتهى كلام ابن كثير .
النوع السابع من أنواع السحر المذكور تعليق القلب :
وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم ، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأحوال : فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق : وتعلق قلبه بذلك : حصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة : وإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة : فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء .
قال الرازي : وإن من جرب الأمور وعرف أحوال أهل العلم علم أن لتعلق القلب أثراً عظيماً في تنفيذ الأعمال وإخفاء الأسرار . وقال ابن كثير بعد أن نقل هذا النوع من السحر عن الرازي : هذا النمط يقال له التنبلة ، وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم . وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه . فإذا كان النَّبيل حاذقاً في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره .
النوع الثامن من أنواع السحر السعي بالنميمة والتضريب من وجوه لطيفة خفية وذلك شائع في الناس ا ه :
والتضريب بين القوم : إراء بعضهم على بعض .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن نقل هذا النوع الأخير عن الرازي قلت : النميمة على قسمين : تارة تكون على وجه التحريش بين الناس ، وتفريق قلوب المؤمنين . فهذا حرام متفق عليه . فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس ، وائتلاف كلمة المسلمين كما جاء في الحديث « ليس الكذاب من ينم خيراً » أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة ، فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث « الحرب خدعة » ، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة ، جاء إلى هؤلاء ونمى إليهم عن هؤلاء ، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئاً آخر ، ثم لأم بين ذلك فتناكرت النفوس وافترقت . وإنما يحذو على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة . والله المستعان .
ثم قال الرازي : فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه .
قلت : وإنما أدخل كثيراً من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها . لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه ، ولهذا جاء في الحديث « إن من البيان لسحراً » وسمي السحور سحوراً لكونه يقع خفياً آخر الليل . والسحر : الرئة وهي محل الغذاء ، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن وغضونه ، كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة : انتفخ سحره ، أي انتفخت رئته من الخوف . وقالت عائشة رضي الله عنها : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري . وقال تعالى : { سحروا أَعْيُنَ الناس } [ الأعراف : 116 ] أي أخفوا عنهم عملهم انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى ، هذا هو حاصل الأقسام الثمانية التي ذكر الفخر الرازي في تفسيره في سورة « البقرة » انقسام السحر إليها .
أضواء البيان / لشيخ محمد الأمين الشنقيطي يرحمه الله