تخلص من الخوف
بدايةً سأستشهد بالآية الكريمة التالية كفاتحة خيرٍ لما سأسرده حول هذا الموضوع : ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ .
بداية القول ما هو تعريف الخوف ؟ هل هو شيء نستطيع أن نراه ؟ نعم نستطيع أن نرى ملامح الخوف على الإنسان وتصرفاته بشكل جلي وواضح للعيان ، فالخائف تراه يرتجف ، بعيون منكسرة وذليلة ، وتراه زائغ النظرات مرتعشاً لا يهدأ في مكان ، أو تراه مقوساً ظهره وحانياً كتفيه ليحمي رأسه ، تنظر إليه فتحسب أنك تنظر إلى فأرٍ كبيرٍ بملامح إنسان ، ويستطرد الكاتب هنا عبدالله الكسواني شارحاً معايير الخوف بالقول : ليس هناك معايير ثابتةً ومحددةً لما يستدعي الخوف ، فالأماكن المرتفعة تعد لدى بعض الناس سبباً كافياً وأساسياً لخوفهم ، وهذا ما يطلق عليه فوبيا الأماكن المرتفعة ، في حين أنك تجد شريحةً كبرى من الناس لا تخيفها المرتفعات بل تلفت نظرها وتستدعي حبورها وسعادتها ، وتلاحظ أن من يعاني من المرتفعات ربما يكون ملاكماً جسوراً ، في نفس الوقت الذي ترى فيه من لا يأبه لها امرأة ضعيفة عجوز وجبانة ،
إذن من هذا المثال ومن أمثلة غيره نستنتج أن معايير ومسببات الخوف تختلف من شخص إلى آخر ، وهنا يسوق لنا المفكر عبدالله الكسواني مثالا آخر : إن الخوف من الأشباح والجن والقبور والغول هو أمر شائع في مجتمعاتنا العربية في الوقت الذي نجد أنه لا يشكل أمراً ذي بالٍ لدى الشعوب المتحضرة بشكل عام ، وبات من المألوف أن نعد من ينام بين القبور وحيدا ًجسوراً مكتمل الجرأة والرجولة ،
في حين نرى أن أي طفلٍ صغيرٍ جبان ينام بين القبور بشكل طبيعي ، ونجد أن العرب بشكل عام يخافون من الكلاب ومن القطط ولكنهم لا يخشون الخرفان والماعز مثلاً ، وتجد أن الفرنسي أو البريطاني يعد أمر سهل وطبيعي بالنسبة له أن تضعه وسط مجموعة من الكلاب الغريبة عنه ويفضل ذلك على أن تضعه بين مجموعة من الماعز والخراف لأنه لم يتعود عليها ، إذن نستنتج أن معايير الخوف ليست ثابتة وإنما الإنسان بطبيعته يخاف من الشيء الغريب عنه والذي لم يتعود عليه ولا يعرف كنهه وماهيته ، إن التربية لها دورها الكبير والفاعل بهذا الصدد ، فلو ربت أحدنا امرأةً شعرها أحمر ومارست علينا في طفولتنا كل أشكال العنف والقمع فسنشب على الخوف من كل من شعرها أحمر حتى ولو أصبحت جسومنا ، هل شاهدتهم فيلم الرجل الوطواط ؟ ابن العائلة الثرية ، ذات يوم سقط في حفرةٍ في فناء قصر أسرته فهاجمته الخفافيش ، وحينما كبر وأجاد كل فنون القتال وصارت قوته توازي ألف رجل مجتمعين بقيت لديه مشكلة الخوف الشديد من الخفافيش ، كيف حل هذه المشكلة ؟ حلها بمجابهتها وجها لوجه ، نعم هذا هو الحل الوحيد لكل خوف ، قف في وجه خوفك وجهاً لوجه وكن جسوراً وانظر في عينيه مباشرة وقل له : أنا هنا ، أنا لا أخاف منك ، بل أنت من عليه أن يخافني ، ويتابع عبدالله الكسواني كلامه : لذلك فإن فكرة الإيمان بالله ذو القوى المطلقة والقادر على كل شيء لهي أفضل وأنجح طريقةٍ لمقاومة أي خوف ، فلو آمنت بأن كلي القدرة معك فلن تخش من شيء مهما كانت حجم قوته وجبروته على الإطلاق ، وصدق جل من قائل : ولا تخشوهم واخشون .